كتبت أونا هاثاواي، الزميلة غير المقيمة في برنامج النظام العالمي والمؤسسات بمؤسسة كارينيجي، أن العالم يواجه لحظة فارقة بشأن مبدأ حظر استخدام القوة. استعرضت بدايةً المسار التاريخي منذ ميثاق كيلوج-برياند عام 1928 الذي حظر الحرب كأداة للسياسة، ثم إدراج المبدأ في ميثاق الأمم المتحدة عام 1945. وأشارت إلى أن هذا الحظر ساهم في تقليص الحروب التوسعية بشكل ملحوظ وعزز الاستقرار والازدهار العالمي، غير أن أحداث السنوات الأخيرة تشير إلى اهتزاز القاعدة التي صمدت عقودًا.

وأوضحت مؤسسة كارنيجي أن التحولات الراهنة تكشف عن تحديات غير مسبوقة: روسيا تسعى لتسوية في حرب أوكرانيا تُكرّس ضم أراضٍ بالقوة، الصين تبني منشآت عسكرية في بحر الصين الجنوبي وتتجاهل الأحكام الدولية، فيما يلمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إمكانية الاستيلاء بالقوة على أراضٍ مثل غرينلاند أو قناة بنما، بل تحدث عن "امتلاك غزة". مع ثلاثة أعضاء دائمين في مجلس الأمن ينتهكون القاعدة، يبدو أن النظام الدولي يتعرض لتصدع عميق.

تضيف الكاتبة أن تقييم فاعلية الحظر يكشف صورة مركبة: فبينما نجح في تقليص الحروب بين القوى الكبرى ومنع اختفاء دول عبر الغزو، تعرض لاهتزاز بفعل تدخلات متكررة. أبرز الأمثلة غزو العراق عام 2003 وتدخل الناتو في كوسوفو عام 1999، وكلاهما خالف الميثاق. ورغم ذلك، حرصت الدول على تبرير أفعالها ضمن إطار القانون، غالبًا بذريعة "الدفاع عن النفس"، ما يعكس استمرار تأثير المبدأ حتى عندما يُنتهك، لكنه في الوقت ذاته يضعف شرعيته مع الوقت.

ترى هاثاواي أن التحديات الجديدة تتجلى في ثلاثة مسارات رئيسية: الإرهاب العابر للحدود وما يثيره من توسع في مفهوم الدفاع عن النفس، التقنيات العسكرية والهجينة التي تخلط بين مفاهيم الحرب التقليدية والقوة الرمادية، والتلاعب بالقانون لاستخدامه غطاءً للتدخل العسكري كما حدث في سوريا وإيران. هذه الانحرافات مجتمعة تهدد بتحويل الحظر إلى مجرد "ورق بلا قوة".

وتحذر من أن انهيار القاعدة سيؤثر على الاقتصاد العالمي والنظام الدولي. فإذا تحولت التهديدات العسكرية إلى أداة طبيعية للسياسة، سينهار الإطار الذي حكم العلاقات بين الدول منذ الحرب العالمية الثانية. الأسواق بدأت بالفعل تتأثر بالاضطرابات الجيوسياسية، إذ تدفع التهديدات العسكرية إلى تقلبات في التجارة والطاقة وسلاسل الإمداد. والأخطر أن الثقة بين الدول ستتآكل، ما يجعلها أقل استعدادًا للتعاون في قضايا كبرى مثل المناخ والأوبئة وإدارة الفضاء. الدول الصغيرة والمتوسطة ستضطر لتوجيه مواردها للدفاع بدل التنمية، ما يعمق التجزئة الاقتصادية ويعزز النزعات القومية والانغلاق التجاري.

وترى الكاتبة أن استمرار هذا المسار سيخلق ديناميات ذاتية التغذية: كلما ضعف القانون، زاد اعتماد الدول على بناء قوتها العسكرية وتوسيع الردع، ما قد يفتح الباب أمام سباق تسلح نووي جديد. النتيجة ستكون عالمًا أكثر انقسامًا، حيث تُختزل العلاقات في منطق القوة والصراع.

في قراءة للخيارات المقبلة، تعرض ثلاثة سيناريوهات: أولها صعود النظم الإقليمية حيث تدير كل منطقة أمنها بشكل منفصل. ثانيها بروز "الدولية غير الليبرالية" التي يقودها أنظمة سلطوية تسعى لتقويض مبادئ حقوق الإنسان لصالح استقرار الأنظمة. ثالثها توسع "التحالفات المصغّرة" المرنة التي تتشكل لمواجهة قضايا محددة خارج الإطار الأممي، لكنها قد تُضعف المعايير الكونية.

وتوضح أن الولايات المتحدة تظل المحرك الأساسي لأي تحول، إذ أدى تراجعها إلى فراغ لم تستطع قوى أخرى ملأه. الصين تفتقر إلى شبكة الحلفاء والقدرات الناعمة، والاتحاد الأوروبي يعاني من انقسامات وضعف في القوة الصلبة. الاحتمال الأكثر ترجيحًا هو بروز نظام هجين يجمع بين التنظيمات الإقليمية ومناطق النفوذ وتحالفات موضوعية، وهو نظام أكثر مرونة لكنه أيضًا أقل استقرارًا وأكثر عرضة للعنف الدوري.

توصي هاثاواي بعدة خطوات لحماية ما تبقى من النظام: دور أكبر للجمعية العامة للأمم المتحدة في توضيح معايير الدفاع عن النفس وتأكيد المبادئ، بناء تحالفات جديدة تضم قوى متوسطة من الشمال والجنوب، وإعطاء صوت أكبر للدول التي لا تلجأ إلى القوة. كما تشدد على أهمية التواصل مع الرأي العام، خصوصًا في الولايات المتحدة، لتوضيح كيف يحمي القانون الدولي حياة الناس ورفاههم اليومي.

وتختم بأن النجاح يتطلب الجمع بين معالجة الأزمات الحالية ورسم رؤية طويلة الأمد، عبر الدفاع عن المؤسسات القائمة وفي الوقت نفسه ابتكار هياكل أكثر عدالة ومرونة. المطلوب هو الحفاظ على الغاية الأساسية: منع الحرب وحماية الإنسانية من الانزلاق إلى فوضى القوة العارية.

https://carnegieendowment.org/research/2025/08/is-the-prohibition-on-the-use-of-force-collapsing?lang=en